سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله عز وجل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} أي: أفاضل العباد. وقيل: هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل، وإلا فالخلق كلهم عباد الله. {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا} أي: بالسكينة والوقار متواضعين غير أَشِرين ولا مرحين، ولا متكبرين. وقال الحسن: علماء وحكماء. وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون، وإن سُفه عليهم حلموا، والهَوْن في اللغة: والرفق واللين. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} يعني السفهاء بما يكرهون، {قَالُوا سَلامًا} قال مجاهد: سدادًا من القول. وقال مقاتل بن حيان: قولا يسلمون فيه من الإثم. وقال الحسن: إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا، وليس المراد منه السلام المعروف. وروي عن الحسن: معناه سلموا عليهم، دليله قوله عز وجل: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} [القصص- 55]. قال الكلبي وأبو العالية: هذا قبل أن يؤمر بالقتال، ثم نسختها آية القتال. وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: هذا وصف نهارهم، ثم قرأ {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} قال: هذا وصف ليلهم.


قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ} يقال لمن أدرك الليل: بات، نام أو لم ينم، يقال: بات فلان قَلِقًا، والمعنى: يبيتون لربهم بالليل في الصلاة، {سُجَّدًا} على وجوههم، {وَقِيَامًا} على أقدامهم. قال ابن عباس: من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدًا وقائمًا. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا أبو نعيم عن سفيان، عن عثمان بن حكيم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي: مُلِحًا دائمًا، لازمًا غير مفارقٍ من عذب به من الكفار، ومنه سمي الغريم لطلبه حقه وإلحاحه على صاحبه وملازمته إياه. قال محمد بن كعب القرظي: سأل الله الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوا فأغرمهم فيه، فبقوا في النار. قال الحسن: كل غريم يفارق غريمه إلا جهنم. والغرام: الشر اللازم، وقيل: {غرامًا} هلاكًا. {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} أي: بئس موضع قرار وإقامة. {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} قرأ ابن كثير وأهل البصرة {يقتروا} بفتح الياء وكسر التاء، وقرأ أهل المدينة وابن عامر بضم الياء وكسر التاء، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم التاء، وكلها بلغات صحيحة. يقال: أقتر وقترَّ بالتشديد، وقترّ يُقَتِّر. واختلفوا في معنى الإسراف والإقتار، فقال بعضهم: الإسراف: النفقة في معصية الله وإن قلت، والإقتار: منع حق الله تعالى. وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج. وقال الحسن في هذه الآية لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله.
وقال قوم: الإسراف: مجاوزة الحد في الإنفاق، حتى يدخل في حد التبذير، والإقتار: التقصير عمَّا لا بدَّ منه، وهذا معنى قول إبراهيم: لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف. {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قصدًا وسطًا بين الإسراف والإقتار، حسنة بين السيئتين. قال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يأكلون طعامًا للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبًا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم، ومن الثياب ما يستر عوراتهم ويُكِنُّهم من الحر والقر. قال عمر بن الخطاب: كفى سرفًا أن لا يشتهي الرجل شيئًا إلا اشتراه فأكله.


قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف بن جريج أخبرهم قال: قال يعلى وهو يعلى بن مسلم، أن سعيد بن جبير، أخبره عن ابن عباس أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزلت: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} ونزل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر- 53].
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أيُّ الذنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندًا وهو خلقك» قال: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك»، فأنزل الله تصديقها: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما} قوله عز وجل: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} أي: شيئًا من هذه الأفعال، {يَلْقَ أَثَامًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما يريد جزاء الإثم. وقال أبو عبيدة: الآثام: العقوبة. وقال مجاهد: الآثام: واد في جهنم، يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ويروى في الحديث: «الغي والآثام بئران يسيل فيها صديد أهل النار».

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10